Friday, 13 November 2015

قبل أيام حدث معي أمرٌ غريبٌ جدا !


قبل أيام حدث معي أمرٌ غريبٌ جدا !
كنت قبل شهرين تقريباً قد توجهت للمكتبة لابتياع قصص لابنتي وأقلام تلوين ، ولم يكن في نيتي أبداً أن أشتري أي كتاب ، لأنني كنت ملتزمة بالقانون الذي وضعته لنفسي ، وهو ألا أشتري أي كتاب حتى أنهي قراءة مالدي ، لكن وبطريقةٍ ما ، وجدتني في قسم المذكرات الشخصية ، أسير و أتأمل مذكرات أولئك المشاهير ، وأقرأها عنواناً عنوانا ، وفجأة استوقفني عنوان أحدها ، أحسست به يطرق قلبي ، ويناديني ، قلّبت الكتاب وعبثاً حاولت الاهتداء لصاحبه ، لكني لم أهتد له ، كنت أنظر لاسم أراه لأول مرة في حياتي ، كانت صفحات الكتاب في حدود الـ 400 صفحة ، أحصيتها ، ثم وجدتني وبإصرارٍ غريب أبتاعه !
بقي الكتاب على أرفف مكتبتي أكثر من شهر ونصف ، أنظر إليه وأتساءل في حيرة : من هذا الكاتب الذي لم أسمع به قبلا ، وقبل أيام فقط قررت اقتحام الكتاب ومعرفة صاحبه ، وماأن قرأت أول صفحتين حتى تملكتني دهشة عظيمة ، وذهول كبير ، لقد مرت عليّ لحظات شعرت فيها بأنني كذبة ، وطيف حقيقي ، وأنني روح تجولت بعيداً لتجد نفسها في حياةٍ مختلفة تسطر ذكرياتها ، لقد كانت روحي حاضرة وبقوة بين تلك الأسطر ، ذات الأسلوب ، وذات التعابير ، والإحساس ، كنت أحدث نفسي : ياالله ، هذه الأسطر لو وضعت أمام أحد أصدقائي ، لأقسم الأيمان الغلاظ أن كاتبتها إنما هند ، وحدها ، ليس غيرها !
بعد مضي بضع صفحات ، كان المؤلف يكتب عن حادثة أليمة حصلت له في سني حياته الأولى ، وكان قد سطرها بأسلوب أرغمني على البكاء ، ظللت لساعات أتخيل الموقف وأبكي ، ليزداد تصميمي بعدها على معرفة هوية هذا الرجل ، فتحت " قوقل " ، ورسمت أحرف اسمه ، لأجدني أمام مفاجأة أعظم وأكبر ، لقد كان الرجل من مدينتي ، بل من حارتي ، رجلٌ مغمور ، أكاد أقسم أن 95% من أهل مدينتي لايعرفونه ، وهو ماتأكدت منه بعد أن ذكرت اسمه في مناسبات عدة !

لقد كنت أحرص كثيراً على قراءة المذكرات الشخصية لأي أنسان ، وكنت أرى أنها أفضل وسيلة لمعرفة التاريخ ، ورصد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لشعبٍ ما ، أو حقبةٍ تاريخية معينة ، أو حدثٍ هام ، ذلك أن المؤرخين الذين يضعون كتب التاريخ غالباً مايسطرون آراءهم بدافعٍ سياسي ، أو مادي ، أو ديني ، في حين أن المذكرات التي يكتبها أحدهم ، هي قصة حياته التي يرويها بتلقائية ، ودون انتباه لما قد يـُعد تجاوزاً للخطوط الحمراء ، وهذا ماوجدته في كتاب صاحبي ، الذي فاجأني بحقائق صادمة غريبة ، لدرجة تساءلت معها : كيف لم ينتبه أحد لهذا الكتاب ، كيف سمحوا بعرضه للعامة ، كيف تجاوز نقاط التفتيش وأعين الرقباء ، وكأن تساؤلاتي قد سمعها أحدهم ، فبعد يومين ، وبعد أن انتاب الفضول صديقتي التي حدثتها عن الكتاب ، ذهبت للمكتبة المعنية ، ثم لكل مكتبات المدينة ، ولم تعثر له على أثر !
أما عني ، فقد عدت لالتهام مذكراته بنهمٍ بالغ ، كنت أتنقل معه في أزقة مدينتنا وحواريها ، بأسلوبه الساحر ، المتخم صدقاً ، وإحساساً مرهفا ، والباهر بدقة وصفه ، وعمق تأملاته ، وحين أنهيت اليوم آخر صفحات مذكراته ، كنت أختمها ببكاء كالذي ابتدأته بها !
حدثت نفسي بعدها :كلا ياهند أنتِ واهمة ، أنتِ لاتشبهينه ، وكل مافي الأمر أنكِ تتمنين ذلك ، ياإلهي كل هذا الصدق ، والأسلوب الماتع الشيق ، والمعلومات الثرية ، والحقائق العجيبة ، لرجلٍ مغمور ، ربما لايتجاوز عدد من عرفه أو قرأ له ، العشرات ، في الوقت الذي تـُملأ الدنيا بترهات درويش وغادة السمان ، وأمثالهما من الجافين الذين لا تغادر كلماتهم أبعد من مسافة الورق الذي وضعت عليه !
التعليقات
0 التعليقات

0 comments :

Post a Comment