Sunday, 8 November 2015

سندريلا ..!



 
في قصة سندريلا ، وأميرها بليد الحس ، لانملك إلا أن نتساءل : ماذا لو أن فتاةً سبقت سندريلا ، وناسب قياس قدمها قياس الحذاء ؟
لاشك أن الأمير الأحمق سيؤمن أنها فتاته المنشودة ، ويتزوجها !!
ذلك أن دليله الوحيد لفتاته لم يكن سوى حذاء يناسب قياس قدمها !
لافؤادٌ يضطرب حين يلمح عينيها ، ولا رعشة تنتابه آن سماع صوتها ، ولا قشعريرة تهز أرجاؤه لحضورها !
دليله إليها فقط... كان حذاء !!

قصة أميرنا الأخرق هذا ، ذكرتني بفيلم " المجهول" للمثلة المصرية سناء جميل _ والمأخوذ عن مسرحية " سوء تفاهم " لألبير كامي _ والذي هجرت فيه زوجها ، وطفلها الصغير ، لتستقر في قريةٍ نائية من قرى فرنسا ، حيث امتلكت هناك فندقًا صغيراً هي وابنتها ، وأخذتا في قتل كل زائرٍ للفندق تبدو عليه علامات الثراء ، من خلال وضع منوّمٍ له في قهوته ، ثم إلقاؤه عبر خادمهما الأصم المعتوه في بحيرةٍ مجاورةٍ للفندق ، لتكتمل بذلك أركان جريمتهما دون أدنى دليلٍ يدينهما !
وهكذا... حين زارها ابنها في ذلك الشتاء ، تحت اسمٍ مستعار ، آملاً بأن يتعرّف عليها ، وعلى السبب الذي جعلها تهجره ووالده وهو طفل صغير ، لم يهتدْ قلب هذه المجرمة لضناها ،
وكالمعتاد ، قامت بتنويمه ، ثم أشارت لخادمها كي يحمله ، ويلقيه في البحيرة ، وفي الوقت الذي كان الخادم الأصم يحمل ابنها لنهايته المحتومة ، كانت هي تفتش بين أغراضه وملابسه ، لتصادر منها مايستحق المصادرة ، وحين وقعت عيناها على أوراقه الثبوتية... عرفته ، وأخذت تركض كالمجنونة وراء خادمها ، تصرخ بأعلى صوت : توقف... توقف... توقف....
لكن كل نداءاتها غابت في الظلام ، لتدرك خادمها وقد أنهى مهمته ، وألقى بابنها المثقل بالسلاسل والحديد في قاع البحيرة !!

لربما اهتدينا في هذه القصة إلى سرّ بلادة إحساس هذه المرأة المتوحشة ، التي أضاعت قلبها ، وفقدت بصيرتها ، حين أسلمت روحها لرغباتها الشيطانية ، وأزهقت بكل برود كل تلك الأنفس البريئة ، حتى استحال قلبها صوّاناً ، لايلين لنداءات الرحمة ، ولايصغي لصوت الضمير ، ولايخفق لروحٍ قديمةٍ ألِفها ، حين كانت بين أحشائه ، امتزجت دماؤه بدمائها ، وخفق قلبه أولى خفقاته بين أضلعها ، وارتبطت حياتيهما معاً بحبلٍ سريّ قُدّر له أن يكون أبديًا !

وهكذا.. في كل حالات إدمان المعاصي ، وسفك الدماء ، وارتكاب الفواحش ، وصنوف الجرائم الأخلاقية ، سيُقطّر في القلب تدريجيًا سواد يحيله إلى مجرد قطعة لحم ، تمامًا كأي قطعة لحمٍ أخرى... قدم كلب ، فخذ حمار ، رئة ضفدع ، ساق ضبع... لافرق ، مجرد قطعة لحم لاتفقه ، لاتعي ، لاتبصر !!

لكن بعيدًا عن ذلك ، فهناك أناس لم يقعوا في حفر الرذائل هذه ، ولم تضِقْ عليهم فسحة العيش بسفك دم ، ولم تُلوّث أيديهم وقلوبهم بجريمةٍ شنعاء ، ورغم ذلك فأفئدتهم هواء...
حياة ممتدة واسعة ، لكنها جوفاء ، لاعينٌ ثاقبة ، ولابصيرةٌ نافذة ، ولاعاطفةٌ متقدة ، ولا حاسة سادسة !
إنه تعطّلٌ تام للمكوّن اللامرئي في دواخلها !
ذلك المكوّن الذي يفعل فينا الأفاعيل ، الذي يزيح الحواجز ، ويهدم الجدران ليفسح للنور كي يلج كهوف الحياة !

إنه سرّ الله الخالق فينا !
ذلك السر الذي أمرنا بتهذيبه ، وتحريكه بالتأمل ،
تلك العبادة المنسيّة ، التي زهدنا فيها ، وماقدرناها حق قدرها !

التأمل... الخريطة الربانيّة ، القادرة وحدها على إيصالنا لذلك الجوهر ، الذي يتجاوز النظريات التي نخطها في الدفاتر ، أو نلحظ تجلياتها في المعامل ، إنها الضابط لما لامجال لضبطه بتعريف ، أو السيطرة عليه في نسقٍ معرفيّة غير إشارات الوحي !
التعليقات
0 التعليقات

0 comments :

Post a Comment